والذي يتحصل في هذه المسألة أنه إن قال ذلك على وجه التبكيت لصاحبه والإنزاه للشاهد عن الكذب فلا اختلاف في أنه لا يلزمه ما شهد به عليه، وإن لم يقل ذلك على وجه التبكيت، ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يلزمه ما شهد به عليه كان يحقق علم ما نازع فيه خصمه من ذلك أو لا يحققه إلا أن يحكم به عليه مع شاهد آخر أو مع يمين المدعي، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ وعيسى بن دينار.
والثاني: أنه يلزمه ما شهد به عليه نازعه فيه خصمه، ولا يلزمه إن كان يحقق معرفة ذلك، وهو قول ابن دينار وابن كنانة، واختيار سحنون هذا، وقوله في آخر نوازله: وسواء كان الشاهد في هذا كله عدلا أو مسخوطا أو نصرانيا، وقد قيل: لا يلزم الرضا بشهادة النصراني، بخلاف المسخوط، وإذا لم يتبين من صورة تراجعهما التبكيت من غير التبكيت فهو فيما نازعه فيه من قول قاله، أو فعل فعله محمول على التبكيت حتى يتبين منه الرضا بقوله، والتزام الحكم به على نفسه على كل حال، وفيما نازعه من حدود أرض أو دين على أبيه أو ما أشبه ذلك محمول على غير التبكيت حتى يتبين منه التبكيت.
ولا اختلاف في أن له أن يرجع على الرضا بقوله في جميع الوجوه قبل أن يشهد، وذلك بخلاف الرضا بالتحكيم في الوجهين، إذ لا يختلف في أنه ليس لواحد منهما أن ينزع بعد الحكم، ويختلف هل يكون لمن شاء منهما أن ينزع قبل الحكم؟ فقال مطرف: له النزوع قبل الحكم، وقال ابن الماجشون وأصبغ عن ابن القاسم: ليس ذلك له، ولا يجوز أن يحكم النصراني ولا الصغير الذي لا يعقل، واختلف في العبد والمرأة والمسخوط والمولى عليه، والصغير الذي يعقل، فأجاز أصبغ تحكيمهم كلهم، ومنع مطرف من تحكيمهم كلهم، وأجاز ابن الماجشون في أحد قوليه تحكيم المرأة والعبد منهم، وكذلك المولى عليه على قياس قوله، وأجاز أشهب تحكيم المرأة والعبد والمولى عليه والمسخوط. فلمن يصح تحكيمه - على مذهب مطرف - سبعة أوصاف، وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والعدالة، والذكورية، وعدم الولاية.