قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن شهادة الرجل على نفسه إقرار عليها، وإقراره على نفسه شهادة عليها، فإذا كتب الرجل شهادته في ذكر الحق المكتوب عليه، أو كتب ذكر الحق ولم يكتب فيه شهادته، فقد أقر على نفسه، إذ لا فرق بين أن يكتب لفلان علي كذا وكذا، أو لفلان على فلان كذا، ويسمي نفسه، وإن كتب ذكر الحق على نفسه بيده، فقال: فيه لفلان على فلان كذا وكذا ثم كتب فيه شهادته، فهو أقوى في الإقرار؛ لأنه إقرار بعد إقرار، وإنما يختلف إذا كتب شهادته في ذكر حق على أبيه، ثم مات أبوه، وهو وارثه، فقام صاحب الحق عليه بذكر الحق على أبيه، وفيه شهادته فأقر بالشهادة، وزعم أنه كتبها على غير حق، أو أنكرها، فشهد على خطه، فقال مطرف وأصبغ: يؤخذ بالحق؛ لأن مال أبيه لما صار إليه فكأن الشهادة على نفسه.
وقال ابن الماجشون: ليس ما شهد به على غيره وإن صار ماله إليه كما لو شهد على نفسه، ولا يؤخذ منه الحق إلا بإقرار سوى خط شهادته، ومحمله محمل الشهادة لا محمل الإقرار، واختار ابن حبيب قول مطرف وأصبغ، وقول ابن الماجشون أقيس.
والشهادة على خط المقر كالشهادة على إقراره، سواء عند من يجيز الشهادة في ذلك على الخط أن يشهد على خطه شاهد واحد كانت مع شهادته اليمين، وإن شهد على خطه شاهدان أخذ المشهود له حقه بشهادتهما دون يمين، والمشهور في المذهب أن الشهادة على الخط في ذلك جائزة عاملة لم يختلف في ذلك قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت، إلا ما يروى عن محمد بن عبد الحكم من أنه قال لا تجوز الشهادة على الخط مجملا، ولم يخص موضعا من موضع.
ونزلت هذه المسألة في أيام ابن لبابة فأفتى فيها جميع معاصريه بإعمال الشهادة، وقال هو: إنها لا تجوز، وحكى ذلك عن مالك من رواية ابن نافع، وفي المبسوط من قول ابن نافع وروايته عن مالك أنها جائزة، كالمعلوم من مذهبه، خلاف ما حكاه عنه ابن لبابة، فأرى حكايته غلطا، والله أعلم.
وأما الشهادة على خط الشاهد الميت أو الغائب، فلم يختلف في الأمهات المشهورة قول مالك في إجازتها وإعمالها، وقد قيل: إنها لا تجوز، وروي ذلك عن مالك، وإلى هذا ذهب محمد بن المواز،