وجعل الشهادة على خطه كالشهادة على شهادته إذا سمعها منه ولم يشهده عليها بقول، فكما لا يجوز له أن يشهد على شهادته إذا سمعها يقول لفلان على فلان كذا وكذا حتى يشهده على قوله، إذ قد يخبر الرجل بما لا يتحقق تحققا يتقلد الشهادة به، فكذلك لا يجوز له أن يشهد إذا رأى شهادته بخط يده في وثيقة بحق لفلان على فلان حتى يشهده على خطه، إذ قد يكتب شهادته من لا يتقلد الشهادة بها، ومن إذا دعي إليها استراب فيها وتوقف عنها. ومن لا يعرف المشهود عليه إلا بعينه، وقد لا يعرفه بعينه ولا باسمه.
ووجه من أجاز الشهادة على خطه، وفرق بين ذلك وبين الشهادة على شهادته إذا سمعها منه ولم يشهده عليها: أن الرجل قد يخبر بما لا يتحققه، ولا ينبغي للرجل أن يكتب شهادته حتى يتحقق ما يشهد عليه ويعرف من أشهده بالعين والاسم، مخافة أن يموت أو يغيب فيشهد على خطه، فأشبه ذلك من سمع رجلا يؤدي شهادته عند الحكم، أو يشهد عليها غيره أنه يشهد على شهادته بما سمع منه، وإن لم يشهده عليها، والقول الأول أظهر، إذ قد قيل، وهو قول ابن المواز: إنه لا يجوز له أن يشهد على شهادته حتى يشهده عليها وإن سمعه يؤديها عند الحكم، أو يشهد عليها غيره، مع أن وضع الشاهد شهادته في الكتب لا تقوى قوة ذلك، وقد قال ابن زرب: لا تجوز الشهادة على خط الشاهد حتى يعرف أن المشهود على خطه كان يعرف من أشهده معرفة العين، وذلك صحيح لا ينبغي أن يختلف فيه، لما قد تساهل الناس فيه من وضع لشهادتهم على من لا يعرفون.
وقد اختلف في حد الغيبة التي تجوز فيها الشهادة على خط الشاهد عند من يجيزها، فقيل: ما تقصر فيه الصلاة، وهو قول ابن الماجشون، وقال ابن سحنون عن أبيه: الغيبة البعيدة، ولم يحد قدرها، وحدها أصبغ فيما حكى عنه ابن مزين، فقال: مثل أفريقية من مصر، أو مكة من العراق، أو نحو ذلك.
والذي جرى به العمل عندنا على ما اختاره الشيوخ إجازتها في الأحباس، وما جرى مجراها مما هو حق لله وليس بحد.
وأما شهادة الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة فكان مالك أول زمانه يقول: إنه يشهد إذا كان الكتاب نقيا ولم يكن فيه شيء ولا محو يريبه، ثم رجع فقال: لا يشهد وإن صف خطه حتى يذكر