أن شهادة الشهود إذا شهدوا أنه ما باع ولا وهب شهادة لا تجوز، إذ قال فيها: إنها غموس وباطل، خلاف ما ذهب إليه ابن لبابة من أنها على مذهبه جائزة، وإن سماها غموسا وباطلا بدليل قوله عقب ذلك: وأرى أن يحلف. والأظهر أن قوله: وأرى أن يحلف - إنما يعود على ما قبل ذلك من الشهادة الصحيحة، فوقع في الكلام تقديم وتأخير.
وابن الماجشون من أصحاب مالك لا يجيز الشهادة في ذلك على العلم بأن يقولوا في الاستحقاق ما نعلمه باع ولا وهب، وفي الوراثة ما نعلم له وارثا غيره، ولا يرى الحكم بها حتى يشهدوا أنه ما باع ولا وهب ولا وارث له غيره، وهو مذهب أهل العراق؛ لأنهم يقولون: العلم كيفما وصل وكيفما أمكن وصوله من معرفة أو غلبة ظن يؤدي إلى اليقين، والقولان محتملان، وذلك أنه لا يصح للشاهد في الوراثة أن يشهد أن فلانا وارث فلان لا يعلم له وارثا غيره، إلا أن يكون قد تيقن أنه لا وارث له سواه (يقينا) لا يدخله فيه شك ولا ارتياب، فإن دخله في ذلك شك أو ارتياب من وجه من الوجوه، أو لم يداخله فيه شك ولا يحصل فيه عنده يقين لم يصح له أن يشهد أنه لا يعلم له وارثا سواه، وإن كان صادقا في قوله إنه لا يعلم له وارثا غيره، فخشي ابن الماجشون إذا شهد أنه ما يعلم له وارثا غيره ألا يكون عنده بذلك يقين، ولذلك لم يجز شهادته حتى يشهد أنه لا وارث له سواه، ولم يجز له مالك أن يشهد أنه لا وارث له سواه، إذ لا يصح له القطع على ذلك، لاحتمال أن يكون له وارث لم يعلم به، واكتفى منه بهذه العلة