فيتهمان على ذلك، وهما كما قال إذا تقدمت الشهادة بالدين، وأما إن تقدمت الشهادة بالوصية أو جاء الشهود معا فلا وجه للتهمة في ذلك، ويأتي على رواية المدنيين عن مالك أن تعمل الشهادتان جميعا حمل الثلث الألف أو لم يحملها، فيقضي بالألف من رأس المال للذي شهد له الابنان أنها دين له، ويقضي بالألف من ثلث بقية المال للذي شهد له الآخران أنها له وصية إن حملها الثلث وإلا فما حمل منها، ولو كان المشهود له رجلا واحدا فقال الابنان: أوصى له بألف دينار وصية، وقال الآخران: بل أقر له بها دينا لكانت له الألف بشهادتهما جميعا حملها الثلث أو لم يحملها على القول بأن الشهادة تلفق إذا اتفقت فيما يوجبه الحكم وإن اختلفت في اللفظ والمعنى، وعلى القول بأنها لا تلفق يقضي بأعدل البينتين فإن استوتا في العدالة سقطتا ووجب على كل واحدة من البينتين للمشهود له ما يجب له في نصيبه بإقراره له، وكذلك لو كانا ابنين فشهدا له بألف، وقال أحدهما: هي وصية، وقال الآخر: بل هي دين لتخرج الأمر أيضا على الاختلاف في تلفيق الشهادة، فعلى القول بأنها تلفق تكون له الآلف بشهادتهما إن حملها الثلث، وإن لم يحملها الثلث كان المشهود له بالخيار إن شاء أخذ ما حمل الثلث من الألف دون يمين، وإن شاء حلف مع شهادة الذي شهد له بها أنها دين وأخذ جميعها، وعلى القول بأنها لا تلفق لا بد له من اليمين فيحلف مع أيهما شاء ويأخذ ما وجب له بشهادته، وقد مضى في رسم العرية تحصيل القول فيما يلفق من الشهادات المختلفات مما لا يلفق منها فلا معنى لإعادته، وأما المسألة الثانية فهي صحيحة بينة في المعنى، وفيما مضى ما فيه بيان لها؛ لأن الشهود إذا اختلفوا في أعيان المشهود لهم فقد أكذب بعضهم بعضا، وإنما قال: إن الموصى لهما يحلف كل واحد منهما مع شهادة الابنين لهما أو يحلف كل واحد منهما مع الذي شهد له منهما؛ لأن الشاهدين لا تبطل شهادتهما بتكذيب بعضهما بعضا، ولو كانوا أربعة فشهد اثنان منهم أنه أوصى لرجل بألف، وقال الآخران: بل إنما أوصى بها لفلان رجل آخر لسقطت الشهادتان جميعا ولم يكن لواحد من المشهود لهما إلا ما يجب له في نصيب الذي شهد له بإقراره، وبالله التوفيق.