للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صفة الشاهد الذي يجب على الحاكم قبول شهادته ويجب على من عرفه تعديله إنه المعروف بالعدالة وإن قارب بعض الذنوب والأشياء المكروهة، فإنه قول صحيح بين لا اختلاف فيه، وقد اختلف فيما يحد به العدالة من الألفاظ، وأحسن ما رأيت في ذلك أنه المجتنب للكبائر، المتوقي من الصغائر؛ لأن من واقع الكبائر فهو فاسق، ومن لم يبال بالصغائر ولا توقى منها فليس بعدل؛ لأن كل صغيرة إذا انفردت فهي كبيرة إذ قد استوجب عليها عقاب الله إلا أن يغفر له، فلا يقال فيها إنها صغيرة إلا بإضافتها إلى الكبيرة لكنه لما لم تمكن السلامة منها لم يخرج عن العدالة بالوقوع في شيء منها، وأما الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فهم معصومون من الكبائر، وأما الصغائر فقيل: إنهم غير معصومين منها بدليل قول الله عز وجل لنبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] والذي أقول به أنهم معصومون من القصد إلى إتيان الصغائر، كما أنهم معصومون من القصد إلى إتيان الكبائر إلا أنهم يؤاخذون لمكانتهم ومنزلتهم بما ليس بكبائر ولا صغائر في حق من سواهم، وهذا نحو قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» سأل الله عز وجل ألا يؤاخذه فيما ليس في وسعه ولا يدخل تحت طاقته وقدرته، وأن يغفر ذلك له، وإن كان الله قد تجاوز لعباده عنه بقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . وقول سحنون: إن قبول الجوائز من العمال المضروب على أيديهم جرحة تسقط الشهادة والعدالة صحيح، ومعناه عندي إذا قبضوا ذلك من العمال على الجباية الذين إنما جعل عليهم قبض الأموال وتحصيلها دون وضعها في وجوهها ومواضعها

<<  <  ج: ص:  >  >>