قال الإمام القاضي: قد قيل: يلزمه الطلاق ويحد الشاهدان، وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وعلى مذهب أكثر أصحاب مالك، في أن شهادة القاذف لا تجوز قبل الحد ولا بعده، وقال: هو قبل الحد هو شر منه بعد الحد؛ لأن الحدود كفارات لأهلها، فكيف تقبل شهادته في شر حاليه، وليس قوله بصحيح؛ لأن الله تعالى إنما نهى عن قبول شهادته بعد الحدود، لا على قبولها قبل الحد بقوله:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ٤] ؛ إذ من حقه أن يعذر إليه ليأتي بما يصدق قوله، وقول ابن الماجشون وأصبغ وسحنون في هذه المسألة على ما ذهب إليه الشافعي من سقوط شهادة القاذف بنفس القذف قبل إقامة الحد عليه، وهو قول أصبغ في إيجاب الحد على الشهيدين، وإن سقطت شهادتهما في الطلاق أظهر من قول ابن الماجشون وسحنون، وإن كان محمد قد تابعهما على قولهما فقال: إن الحد لا يلزمهما إلا بعد القضاء عليه بالطلاق؛ لأن الله عز وجل يقول:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب: ٥٨] .
والإذاية قد حصلت بما رمياه به من وطئه إياها بعد طلاقها البتة، والمسألة التي نظرها سحنون بها فقال: إنها نظيرة لها، لا تشبهها؛ لأن الشهادة فيها لما ردت من أجل أن الشاهدين يتهمان على أنهما أرادا إرقاق أنفسهما، وجب أن يبقيا على حالهما من الحرية، ولا يلزمهما إقرارهما بالرق؛ إذ لا يجوز لحر أن يرق نفسه، والطلاق لما ردت الشهادة فيه من أجل أن الشاهدين يجرحان بما شهدا به من أنهما رأياه يزني بها بعد الطلاق، لم يمنع أن يلزمهما الحد؛ لأنه حق عليهما يجب أن يؤخذا به بخلاف الرق الذي لا يجوز للحر أن يلحقه بنفسه، فالحد في مسألة الطلاق مختلف في وجوبه، والرق في المسألة التي نظرها بها متفق على سقوطه، وذهب ابن