قال محمد بن رشد: قوله: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم، أي: يستحقون حقوقهم في تركة الميت فيتحاصون بها دون المرأة - صحيح على قياس قول مالك في الميت يقوم عليه الغرماء وله دين بشاهد واحد أن الغرماء يحلفون مع الشاهد على الدين فيستحقونه؛ لأنفسهم من ديونهم؛ لأنها يمين مع الشاهد يصلون بها إلى استيفاء حقوقهم في المسألتين جميعا، فلا فرق في المعنى والقياس بين أن يبرئوا الميت من الصداق بحلفهم مع الشاهد فيستحقون تركته في ديونهم وبين أن يثبتوا له الدين بحلفهم عليه مع الشاهد به فيستحقونه في ديونهم.
وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه لا يحلف الغرماء في إبراء الميت وإنما يحلفون في دين له؛ لأن حلفهم على الدين رجم بالغيب، إذ لا يعلمون ذلك، وهو بعيد قد أنكره ابن المواز، وقال: إن ذلك ليس رجما بالغيب وإنما يحلفون بخبر مخبر كحلفهم على إثبات دين له، وذلك بين لا فرق في هذا المعنى بين الموضعين.
وأما قوله: فإن أبوا أن يحلفوا، حلف من رضي منهم واستحقوا حقهم - يريد: ويرجع اليمين على المرأة في حظ من نكل منهم، فيحاص بذلك من حلف.
مثال ذلك: أن يترك الميت عشرين دينارا وعليه لامرأته عشرون دينارا، ولغريمين عشرون دينارا، عشرة عشرة لكل واحد منهما، فإن حلف الغريمان جميعا مع الشاهد على إبراء الميت من الصداق أخذا العشرين لأنفسهما فاستوفيا حقوقهما، وإن نكلا جميعا حلفت هي وحاصتهما في العشرين التي ترك المتوفى بجميع حقها، فصار لها عشرة ولكل واحد منهما خمسة خمسة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر رجعت اليمين عليها في حظ الناكل، فإن حلفت استحقت ما كان يصيب الناكل لو حلف، وذلك خمسة، فيكون لها خمسة وللحالف عشرة وللناكل خمسة.
وقد قيل: إن حقها يبطل بيمين من حلف منهم؛ لأنه إنما يحلف أن ما شهد به الشاهد حق، إذ لا يمكن أن تبعض شهادة الشاهد فيحلف على مقدار حقه منها. ويلزم على قياس هذا القول أن يكتفي بيمين أحدهم.
وإن لم ينكل واحد منهم فيقال لهم إما أن يحلف واحد منكم أن ما شهد به الشاهد حق، وإما أن يرجع اليمين عليها