الرجل حقه وجعل العلامة على أنه صاحب الحق إتيانه وادعاءه القدر الذي سمى.
فلما كان اللفظ محتملا للوجهين على ما ذكرناه وجب أن يحمل على الثاني منهما الذي هو بمعنى الذي؛ لأنه الأقل على أصولهم في وجوب ترك الحكم بما شك فيه من الوصايا وغيرها.
ولو جاء بعد لفظة "مَنْ" بفعل يظهر فيه الإعراب لارتفع في ذلك الإشكال، مثل أن يقول: مَنْ يجئ بالجزم يدعي من كذا إلى كذا فاقضوه، أو مَنْ يِجِيءُ بالرفع يدعي من كذا وكذا إلى كذا وكذا فاقضوه؛ لأن الجزم يدل على الشرط وهو بمعنى العموم بخلاف الرفع، ولا خلاف فيما ذكره من أن العشرين إذا أخرجت من رأس المال يتحاص فيها كل من ادعى أدنى من عشرين، يريد: بعد أيمانهم، وأنه لا حق فيها لمن ادعى أكثر من عشرين.
واختلف فيمن ادعى عشرين فقيل: إنه لا شيء له حكى ذلك سحنون عن ابن القاسم، وهو على القول بأن "إلى" غاية لا يدخل ما بعدها فيما قبلها، وقيل: إنه يحاص بها وهو على القول بأن "إلى" بمعنى "مع"، وهو الأظهر في هذه المسألة. وفي ألفاظ المسألة دليل على القولين.
وأما من ادعى دينارا فإنه يحاص به في العشرين، قال: من جاء يدعي قبلي دينارا إلى عشرين أو من دينار إلى عشرين. ولو قال: من جاء يدعي قبلي ما بين دينار إلى عشرين لدخل الاختلاف في الدينار أيضا، فقد اختلف أهل العلم فيمن قال لفلان: علي ما بين دينار إلى عشرة، فقيل: إنه يحكم عليه بثمانية، وقيل: بتسعة، وقيل: بعشرة، ولكل قول منها وجه.
وقد قيل: إنه لا يحكم عليه بشيء؛ لأنه إنما أقر له بما بين الواحد والعشرة ولا شيء بينهما وهو بعيد.
وما في سماع محمد بن خالد عن مالك من رواية ابن القاسم عنه ليس بخلاف لما قبله من قوله في رواية عيسى عن ابن القاسم؛ لأن قوله: إني كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون - دليل على أنه أراد بقوله من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا العموم، بمنزلة ما لو قال: كل من جاء يدعي قبلي حقا من دينار إلى خمسة وعشرين دينارا.