واختلف في هذه المسألة أيضا قول ابن كنانة، فله في المدنية فيمن دبر عبده وعليه دين ثم استدان بعد التدبير دينا آخر، أنه يباع من المدبر بقدر الدين الذي كان قبل التدبير، فيعطيه أصحاب الدين كان ذلك لهم، ولا يباع للآخرين منه شيء حتى يموت السيد.
ورأيت له في مسائل منتخبة لابن لبابة: سئل: عن الرجل يدبر عبده وعليه دين، فيجرح المدبر رجلا حرا، ويقوم أهل الدين عليه بدينهم؟ فقال: لا ترقه الجناية، وإنما يرقه دين سيده، فإن قام غرماؤه يريدون رد تدبيره، بيع منه بقدر دينهم، فإذا بيع قال المجني عليه: أنا أولى بما بيع منه؛ لأن جرحي في رقبته، وديونكم في مال سيده، فيأخذه ثم يباع منه أيضا بقدر ديونهم، فيقول المجني عليه: أنا أولى بما بيع منه؛ لأن جرحي في رقبته، وديونكم في مال سيده، فيأخذ المجروح فلا يزال هكذا يباع ويأخذه المجروح حتى يباع منه بقدر الجرح وبقدر الدين، فإن بقي منه شيء كان مدبرا حتى يموت السيد، فدين السيد يرقه؛ لأنه لا يجوز له تدبير وعليه دين، والمجروح يأخذه؛ لأن جرحه في رقبته، ولولا الدين لم يرق ولم يبع منه شيء، وأخذه المجروح فاختدمه دون الغرماء حتى يموت السيد، فإن كان له مال يعتق فيه عتق واتبعه المجروح ببقية عقل جرحه.
وإن لم يكن له مال عتق ثلثه ورق ثلثاه، واتبع العتيق بثلث ما بقي من جرحه، وكان الورثة مخيرين في افتكاك الثلثين بثلثي ما بقي من دية جرحه أو إسلامه، فأي ذلك فعلوا كان لهم.
وهذا اختلاف من قول ابن كنانة، إذ لا فرق بين المسألتين في المعنى والقياس، والذي يلزم في مسألة جناية المدبر هذه على قياس قوله الآخر ألا يباع من المدبر شيء لأهل الدين ثانية، ويكون دينهم في ذمة السيد المدبر، يتبعونه به إلى أن يموت، ويكون أهل الجناية أحق باختدام ما بقي من المدبر بعد الذي بيع منه في الدين واختدموه في جنايتهم، فإن استوفوا بقية جنايتهم من خدمته قبل أن يموت السيد اختدمه أهل الدين أيضا إلى أن يموت السيد، فيباع منه بما بقي من دينهم ويعتق ثلث الباقي.
وإن لم يستوف أهل الجناية بقية جنايتهم من خدمته إلى أن يموت سيده، بيع منه لأهل الدين بدينهم، إذ قد ذهبت