والعمل لا يرجع المكاتب على سيده إذا استحق حرا بما أدى إليه من الكتابة، كما لا يرجع العبد على سيده؛ أنه استحق حرا بما أدى إليه من خراجه، ولا بقيمة عمله صحيح، على أصل مذهب مالك في أن الكتابة جنس من الغلة، وأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء، وإنما يفترق ذلك على مذهب من يرى أن المكاتب حر بعقد الكتابة، غريم بما كوتب به، فيأتي على هذا المذهب أن له أن يرجع على سيده إذا استحق حرا بما أدى إليه من الكتابة، بخلاف الخراج والعمل.
وفي الخراج وقيمة العمل اختلاف، قيل: إنه يرجع به، وهو قول ابن نافع في المدنية قال: إلا أن يكون خراجا لم يقبضه السيد، فهو للعبد، وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة؛ لأنه علق العلة فيها بالضمان، ولا ضمان عليه في هذا العبد؛ لأنه لو مات ثم استدل بحرية؛ لكان له أن يرجع بالثمن الذي أدى فيه إلى البائع منه، وكذلك الأصل إذا استحق بحبس من يد مشتر يجري الأمر في وجوب الرجوع عليه بالغلة على هذين القولين؛ لأنه لو غرق أو انهدم، ثم استحق بحبس؛ لكان له أن يرجع بالثمن، فلا فرق بين المسألتين في القياس، وإنما وقع الاختلاف فيهما من أجل أن الضمان قد يكون وقد لا يكون؛ إذ قد يجد على من يرجع بالثمن، وقد لا يجد، ألا ترى أنه ما يضمن فيه المقتل بكل حال في الموت والتلف تكون له الغلة في الضمان قولا واحدا؟ كالمشتري يشتري الشيء فيقتله، ثم يستحق من يده بملك، وما لا يضمن فيه بكل حال، يرد الغلة قولا واحدا، كالوارث يستقل ما ورثه، ثم يأتي من يشاركه من الميراث، أو من يكون أحق به منه.
وقد اختلف في الغاصب، هل يرد الغلة أم لا؟ اختلاف كثير قد ذكرناه في غير هذا الديوان، من أجل أن الضمان قد يكون وقد لا يكون؛ إذ قد يرجع عليه المغصوب منه بالقيمة إن تلف، وقد لا يرجع؛ فقف على هذه الأوجه الأربعة، وهي: وجه ترد فيه الغلة باتفاق، ووجه لا ترد فيه باتفاق، ووجهان يختلف في وجوب رد الغلة فيهما؛ لضعف الضمان فيهما الذي هو الأصل في هذه المسألة؛ لما ثبت من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخراج