وأخبرني أن عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، صاحبي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حبسا دارا لهما، وكان يسكنان فيها حتى ماتا وكان الذي سكنا منها، ليس جلها، فمحازاها سكنا من الدار، وما لم يسكنا للابن منها، على ما قال ابن القاسم.
قال مالك: وذلك رأيي. قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أن رجلا حبس أو تصدق بدور لها عدد، وسكن دارا منها كلها، لم تكن تلك الدار التي سكن جل الدور، وهي تبع لما تصدق به، جاز ما سكن من ذلك وما لم يسكن، إذا كان تصدق على ابن له صغير يليه، أو كبير فحاز ما لم يسكن فيه، فهذا دليل على هذا أنها جائزة.
قال ابن القاسم: وأما ما استثنى من أقساط الزيت من الزيتون، فإن ذلك لا يفسد صدقته، وهي شيء تافه في صدقته، والذي يسكن المنزل من داره أشد من هذه الأقساط اليسيرة. قال: وقد قال مالك في غير مسألة، في الرجل يحبس نخله أو دوره على قوم بأعيانهم، ويشترط من النخل كيلا مسمى لقوم يسميها بأعيانهم غير الذين حبس عليهم، فإذا انقرضوا فترجعها إلى الذين حبس عليهم، أو من غلة الدور، الدنانير فمسمى عددها في الشيء يجريه على مثل المسجد والفقراء، أو الرجل بعينه: إن ذلك جائز، إذا حازه الذي حبس عليه، أو كان صغيرا يليه الذي حبس عليه، وكان ينفذ ذلك في وجهه، جاز ذلك كله، وهذا مما لا اختلاف فيه.
قال ابن القاسم: وأما الدور والأرحى التي جعل لمواليه، واشترط عليهم القيام بأمر الأرحى لولده، فذلك جائز، إنما أعطاهم شيئا من منزل قد عرفوه وعرف وجه العمل فيه، فذلك جائز لا خطر فيه ولا غرر، وهو مما قَوَّى صدقة الابن، وحيازة الموالي مع حيازة الأب له حيازة، فإن ذلك قد ثبت له في رأيي فيما سمعت من مالك.