قال محمد بن رشد: هذه مسألة أبي عثمان من أهل قرطبة، كتب بها محمد بن بشير القاضي، إلى ابن القاسم يسأله عنها، والسؤال عنها في ثلاثة مواضع:
أحدها: اشتراطه في صدقته على ابنه الصغير بداره أن يسكن معه ابنته الصغيرة حتى تنكح، وأمهات أولاده، ومواليه من الرجال والنساء، الساكنين فيها أن يسكنوا مع ابنه ذلك، فيها حياتهم، فإن تزوج من الموليات أحد، فلا سكنى لمن تزوج منهن بعد تزويجها، فأجاز ذلك، ولم يره مما تضعف به الحيازة في الدار، إذ لم يسكنها هو بنفسه، وإن سكنها أمهات أولاده؛ لأنه إنما أبقاهن في الدار لمكان ابنه المتصدق عليه، ليقمن بأمره فيما يحتاج إليه، ولم يفردهن أيضا بالسكنى معه فيها، إذا ترك معهن في ذلك مواليه من الرجال والنساء، الذين كانوا سكانا فيها أيضا، وسكناتهم فيها مع ابنه المتصدق عليه أو دونه حيازة، إذ ليس عليه إسكانهم؛ لأنهم أحرار، ومن أسكن رجلا مسكنا ثم تصدق به على غيره، فيكون المسكن فيه حيازة للمتصدق عليه به، على مذهبه في المدونة في أن قبض الخدم قبضا للموهوب له، ولو أفرد على أمهات أولاده بالسكنى في الدار مع ابنه المتصدق عليه، لكان ذلك حيازة، على ما حكى ابن حبيب عن المدنيين والمصريين، من غير أن يختلفوا عليه من أن سكنى أمهات المتصدق عليه معهم في المسكن الذي تصدق به عليهم آباؤهم، حيازة لهم، وإن كان تحته بتزويج أو شراء، ما لم يكن ذلك مسكنا له خاصا يستوطنه، فكيف إذا لم يفردهن بذلك، وشرك معهن فيه مواليه من الرجال والنساء، فهذا وجه قول ابن القاسم في إجازة هذه الحيازة، ويدخل فيها من الاختلاف ما في قبض المخدم للموهوب له على ما يأتي في سماع سحنون، إذ لا فرق في هذا بين الإسكان والإخدام، ويبين ذلك ما يأتي في رسم الكبش من سماع يحيى لابن القاسم، في أن من تصدق على والده الذي يحوز له بدار قد أسكن فيها بعض ولده، إنه لم يخرج منها الولد، كان يسكنها حتى مات الأب، لم يكن للمتصدق عليه شيء.