فقول ابن القاسم في رواية يحيى هذه، مخالفة لقوله في هذه الرواية، على هذا كان الشيوخ يحملون ذلك، ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بسكنى الابن المتصدق عليه في هذه الرواية في الدار الذي تصدق بها عليه أبوه مع أمهات أولاده ومواليه.
والموضع الثاني: اشتراطه في الزيتون الذي تصدق به على ابنه الأقساط من الزيت في كل عام للمسجد الذي بناه، إذا لم يحزها وأبقاها بيده، فأجاز ذلك قياسا على ما قاله مالك من أن الأب إذا تصدق، على ابنه الذي في حجره بالعبد وهو معه في بيت واحد، فيخدمها جميعا: إنه لا يوهن ذلك حيازة له، وقياسا على ما قاله أيضا في أنه إذا تصدق على ابنه الذي في حجره بالمسكن، فسكن اليسير منه، إن حيازته له صحيحة تامة. وقياسه في ذلك كله صحيح بين؛ إذ لا فرق بين أن يستثنى الأقساط لنفسه طول حياته، ثم يلحقها بالحبس بعد وفاته أو يستثنيها ليجعلها هو في المسجد طول حياته، ثم يكون حبسا بعد وفاته.
والموضع الثالث: جعله لمواليه الساكنين في القرية التي تصدق بها على ابنه الارتفاق بما كان تحت أيديهم من أرض القرية وشجرها ومساكنها ما داموا يقومون لابنه المتصدق عليه بمرمة أو حيته، وما يحتاج إليه من المطاحين، وغير ذلك، فإن تركوا القيام بذلك لم يكن لهم سكنى في القرية والارتفاق بشيء منها، فأجاز ذلك ابن القاسم، ولم ير فيه غررا ولا مخاطرة؛ لأنه رأى قدر ذلك معلوما بالعرف والعادة، لا توهينا للحيازة، بل رأى ذلك قوة فيها وتثبيتا لها لأن حيازة الوالد لابنه معه تقوية لحيازته.
وحكى الفضل عن يحيى بن عمر أنه قال: في الأرحية نظر؛ لأنه إنما جعل لهم ما جعل على أن يقوموا لابنه بمرمة الأرحية ومرمة سدها، وجلب ما يحتاج إليه من المطاحن وغير ذلك من مرمة الأرحية، فإن ترك الموالي ذلك فلا حق لهم في القرية، ولا مرفق فيها، فهذا عندي خطر وغرر، وربما كثر علاج الأرحية، وربما قل، فأعطاهم الذي أعطاهم على شيء مجهول، لا يعلمون ما يلزمهم فيه، فلا يحقه هذا، ولا يكون للموالي شيء مما أوصى