للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها فهو أحب إلي وما الدية عندي بالقوي.

قال محمد بن رشد: اختلف السلف ومن بعدهم من الخلف في قبول توبة القاتل، وإنفاذ الوعيد عليه على قولين، فمنهم من ذهب إلى أنه لا توبة له، وأن الوعيد لاحق به، فممن روي ذلك عنه ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة أنهم قالوا لمن سألهم عن ذلك هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء؟ وإن ابن عمر سئل عن ذلك فقال: ليستكثر من شرب الماء البارد، وإن ابن عباس سئل عن ذلك فقال للسائل كالمتعجب من ذلك: ماذا تقول؟ فأعاد عليه قوله، فقال ماذا تقول مرة أو ثلاثا، ثم قال: ويحك وأنى له بالتوبة؟. وإلى هذا ذهب مالك فيما روي عنه من أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب، ويؤيد هذا المذهب ما روى من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «كل ذنب عسى الله أن يعفو عنه إلا من مات كافرا أو قتل مؤمنا متعمدا» وذلك - والله أعلم - لأن القتل يجتمع فيه حق الله تعالى وحق للمقتول المظلوم، ومن شرط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم ورد التباعات إليهم، وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا بأن يدرك المقتول قبل موته فيعفو عنه، ويحلله من قتله إياه طيب بذلك نفسه، ومنهم من ذهب إلى أن القاتل في المشيئة وأن توبته مقبولة، ومن روي ذلك عنه ابن عباس وأبو هريرة وعلي بن أبي طالب ومجاهد وغيرهم من السلف، وخص مالك في هذه الرواية للقاتل أن يعتق الرقاب ويبكي ويتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة ويلزم الثغور والجهاد دليلا على الرجاء عنده في قبول توبة القاتل خلاف ما روي عنه من أن إمامته لا تجوز وإن تاب، ولكلا المذهبين وجه من النظر، وكفى باختلاف الصحابة في ذلك، فقل ما تجدهم يختلفون إلا فيما يتعارض فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>