عن الرجل يكون بينه وبين الرجل من أهل القدر في ذلك منازعة حتى يبقى يأتيه القدري فيأخذ بيده ونتصل إليه، فقال إن كان جاء نازعا تاركا لذلك فليقبل منه ذلك وليكلمه، وإن لم يكن جاء لذلك فإني أراه في سعة من ترك كلامه، قيل له: إنه قد يتشبث ويتعلق ويأخذ بيدي ويسألني الكلام؟ فقال: لا أرى بأسا أن يترك كلامه.
قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه الرواية في أهل القدر إنهم قوم سوء فلا يجالسوا ولا يصلى وراءهم، نص منه على أنهم لا يكفروا باعتقادهم خلاف ظاهر قوله في أول رسم من سماع ابن القاسم آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: ١٠٦] الآية، قال: فأي كلام أبين من هذا، قال ابن القاسم: ورأيته تأولها على أهل الأهواء، فالقدرية عند عامة العلماء كفار؛ لأنهم نسبوا إلى الله تعالى العجز والجهل في قولهم: إن الله لم يقدر المعاصي ولا الشر، وإن ذلك جار في خلقه وسلطانه بغير قدرته ولا إرادته، فنفوا القدرة والإرادة في ذلك عن الله تعالى، ونسبوها لأنفسهم، حتى قال بعض طواغيتهم: إنه لو كان طفل على حاجز بين الجنة والنار لكان الله تعالى موصوفا بالقدرة على طرحه إلى الجنة، وإبليس موصوفا بالقدرة على طرحه في النار، وإن الله لا يوصف بالقدرة على ذلك، وزعموا أن خلاف هذا كفر وشرك، وعند بعضهم قوم سوء ضلال لأنهم خالفوا أهل السنة والجماعة في عقود الدين؛ لأن الله تعالى أضلهم وأغواهم ولم يرد هداهم وعمى بصائرهم عن الحق ولم يرد شرح صدورهم له، كما قال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ}[الأنعام: ١٢٥] الآية، وقد تواترت الآثار بإخراجهم عن الإسلام وإضافتهم إلى أصناف الكفر، من ذلك