أبو بكر بن الباقلاني إلى أنه يجوز أن يسمى الله تعالى بكل ما يجوز في صفته مثل مسير وجليل وحنان وما أشبه ذلك ما لم يكن ذلك الجائز في صفته، مما اجتمعت الأمة على أن تسميته به، لا تجوز كعاقل وفقيه وسخي، وما أشبه ذلك.
وقوله: ولا يشبه يدي ربه بشيء ولا وجهه تبارك وتعالى بشيء، ولكن يقول له يدان كما وصف نفسه، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل ولا شبيه، ولا نظير قول صحيح بين لا اختلاف فيه بين أحد من أهل القبلة في أنه لا يجوز أن يشبه يديه ولا وجهه بشيء؛ إذ ليس كمثله شيء كما قال تعالى في محكم كتابه، ولا هو بذي جنس ولا جسم ولا صورة، ولا اختلاف بينهم أيضا في جواز إطلاق القول بأن لله يدين ووجها وعينين؛ لأن الله وصف بذلك نفسه بكتابه، فوجب إطلاق القول بذلك، والاعتقاد بأنها صفات ذاته من غير تكييف ولا تشبيه ولا تحديد؛ إذ لا يشبهه شيء من المخلوقات، هذا قول المحققين من المتكلمين، وتوقف كثير من الشيوخ عن إثبات هذه الصفات الخمس، وقالوا: لا يجوز أن يثبت في صفات الله ما لم يعلم بضرورة العقل ولا بدليله وتأولوها على غير ظاهرها، فقالوا: المراد بالوجه الذات كما يقال وجه الطريق، ووجه الأمر ذاته ونفسه، والمراد بالعينين إدراك المرئيات، والمراد باليدين النعمتين، وقَوْله تَعَالَى:{بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥] أي ليدي؛ لأن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض، والصواب قول المحققين الذين أثبتوها صفات لذاته تعالى، وهو الذي قاله مالك في هذه الرواية.
وصفات ذات الباري تبارك وتعالى تنقسم على ثلاثة أقسام؛ قسم منها يعلم بالسمع ولا مجال للعقل فيه، وهي هذه الخمس صفات: الوجه، واليدان، والعينان، وقسم منها يعلم بالعقل، وإن ورد السماع بها؛ فإنما هو على معنى تأكيدها في العقل منها، ولو لم يرد بها سمع لاستغنى في معرفتها عنه بالعقل،