وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة؛ لأن العلم بالنبوات، لا يعلم إلا بعد العلم بأنه حي عالم قادر مريد، ويستحيل وجود حي بلا حياة، وقادر بلا قدرة، ومريد بلا إرادة، وقسم منها يعلم بالسمع والعقل، فيصح العلم بالنبوات قبلها، ويصح العلم بها قبل النبوات، وهي السمع والبصر والكلام والإدراك؛ لأن الدليل قائم من العقل على أنه عز وجل سميع بصير مدرك، والسمع قد ورد بذلك، ويستحيل وجود سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، ومتكلم بلا كلام، ومدرك بلا إدراك.
وما تضمنته هذه الرواية من كراهية مالك لرواية هذه الأحاديث التي يقتضي ظاهرها التشبيه، وإعظامه أن يحدث بها مثل ما روي من: الله خلق آدم على صورته؛ ونحوها من الأحاديث، فالمعنى من ذلك أنه كره أن تشاع روايتها، ويكثر التحدث بها، فيسمعها الجهال الذين لا يعرفون تأويلها، فيسبق إلى ظنونهم التشبيه بها، وسبيلها إذا صحت الروايات بها أن تتأول على ما يصح مما ينتفي بها عن الله تشبيهه بشيء من خلقه، كما يصنع بما جاء من القرآن والسنن المتواترة والآثار مما يقتضي ظاهره التشبيه، وهو كثير؛ كالإتيان في قوله عز وجل:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ}[البقرة: ٢١٠] ، والمجيء في قوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر: ٢٢] ، والاستوا في قوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف: ٥٤] ، وقوله:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥] ، والنظر في قوله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}[القيامة: ٢٢] ، والتنزل في قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يتنزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ... » الحديث، والنزول والضحك وما أشبه ذلك.