والثالث: أن يكون معناه وفائدته إبطال قول أهل الطبائع والمنجمين الذين يزعمون أن الأشياء تولدت بتأثير العنصر والفلك والليل والنهار، فأعلم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذا الحديث أن الله خلق آدم على ما كان عليه من الصورة والتركيب والهيئة، لم يشاركه في ذلك فعل طبع ولا تأثير فلك، وخص آدم بالذكر تنبيها على سائر المخلوقات؛ لأنه أشرفها، فإذا كان الله هو المنفرد بخلقه دون مشاركة فعل طبع أو تأثير فلك، فولده ومن سواهم على حكمه كذلك.
وقد قيل في ذلك وجه رابع: وهو أن فائدة الحديث تكذيب القدرية فيما زعمت من أن صفات آدم منها ما خلقه الله تعالى، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بتكذيبهم، وأن الله تعالى خلق آدم على جميع صورته وصفته ومعانيه وأعراضه، وهذا كما تقول: عرفني هذا الأمر على صورته إذا أردت أن يعرفكه على الاستيفاء والاستقصاء دون الاستبقاء.
وقد قيل فيه وجه خامس، وهو أن يكون معناه إشارة إلى ما يعتقده أهل السنة من أن الله خلق السعيد سعيدا، والشقي شقيا، وأن خلق آدم على ما علمه وأراد أن يكون عليه من أنه يعصي ويتوب، فيتوب الله عليه، ففي الحديث دليل على أن أحوال العبد تتغير على حسب ما يخلق عليه، وييسر له من الخير والشر، وأن كل شيء بقضاء وقدر.
وقد قيل: إن الكناية من قوله على صورته راجعة إلى بعض المشاهدين من الناس، وأن المعنى في ذلك والفائدة فيه هو الإعلام بأن صورة آدم كانت على هذه الصورة إبطالا لقول من زعم أنها كانت مباينة لخلق الناس على الحد الزائد الذي يخرج عن المعهود من متعارف خلق البشر؛ إذ لا يأتي ذلك من وجه صحيح يوثق به.