للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أن الكناية في قوله على صورته راجعة إلى الله عز وجل، وهو أضعف التأويلات؛ لأن الأولى أن يرجع الضمير إلى أقرب مذكور، إلا أن يدل دليل على رجوعه إلى الأبعد، ولا دليل على ذلك إلا ما روي من الله عز وجل: «خلق آدم على صورة الرحمن» وقد ذكرنا أن بعض أهل النقل لا يصحح الرواية لذلك، وأن الراوي لها ساق الحديث على ما ظنه من معناه، وقد قال بعض الناس: إن ذلك لا يصح أيضا من طريق اللسان؛ لأن الاسم إذا تقدم فأعيد ذكره كني عنه بالهاء من غير أن يعاد الاسم، ألا ترى أنك تقول إذا أخبرت عن ضرب رجل لعبده: ضرب زيد غلامه، ولا تقول ضرب زيد غلام زيد؛ لأنك إذا قلت ضرب زيد غلام زيد يفهم من قولك: إنه لم يضرب غلامه؛ وإنما ضرب غلام رجل آخر اسمه زيد، وليس ذلك بصحيح؛ لأن القرآن قد جاء بذلك، قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: ٨٥] ولم يقل إلينا، فإنما يضعف الحديث من جهة النقل.

ومع ضعف رد الكناية من صورته إلى الله تعالى، فلها وجوه كثيرة محتملة ينتفي بها التشبيه عن الله تعالى.

منها أن يكون المراد بالصورة الصفة؛ لأن آدم موصوف بما يوصف الله به عز وجل من أنه حي عالم مريد سميع بصير متكلم، ولا يوجب مشاركته له في تسميته والوصف تشبهه به؛ لأن صفات الله تعالى قديمة غير مخلوقة، وصفات آدم محدثة مخلوقة، ويكون فائدة الحديث على هذا الإعلام بتشريف الله إياه بأن أبانه على سائر الجمادات والحيوانات.

ومنها أن يكون إضافة الصورة إليه إضافة تشريف وتخصيص؛ لأن الإضافة قد تكون بمعنى التشريف والتخصيص على طريق التنويه بذكر المضاف إذا خص بالإضافة إليه، وذلك نحو قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: ١٣] فإنها إضافة تشريف

<<  <  ج: ص:  >  >>