فأما من كان من أهل البدع، قد بان عن الجماعة، وصاروا يدعون إلى ما هم عليه، ومنعوا فريضة من الفرائض كان على الإمام أن يستتيبهم، فإن تابوا وإلا قتلوا، ألا ترى أن أبا بكر الصديق - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - استتابهم، قال أبو بكر: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجاهدتهم عليه، فجاهدهم أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأمر بجهادهم، وقتلوا على تلك البدعة، فهذا يبين لك جميع ما سألت عنه من أمر أهل البدع، وقد مضت فيهم سنة عمر بن الخطاب فيمن كان بين أظهر الجماعة، وعن أبي بكر الصديق فيمن كان بان عن الدار، ومنع فريضة، ودعا إلى ما هم عليه.
فقيل له: فهؤلاء الذين قتلهم الإمام من أهل الأهواء لما بانوا عن الجماعة ودعوا إلى ما هم عليه، ونصبوا الحرب هل يصلى على قتلاهم؟ قال: نعم، وهم من المسلمين، وليس بذنوبهم التي استوجبوا بها القتل تترك الصلاة عليهم، ألا ترى أن الزاني المحصن قد وجب عليه القتل بذنبه، والمحارب والقاتل عمدا قد استوجبوا القتل، فإذا قتلوا لم تترك الصلاة عليهم، وليس بذنوبهم التي ارتكبوها واستوجبوا بها للقتل تخرجهم من الأحكام، وأرى أن يصلى عليهم كما يصلى على أهل الإسلام والبدع.
قلت: فما تقول في إعادة الصلاة خلف أهل البدع؟ قال: لا يعيد من صلى خلفهم، قيل: لا في الوقت ولا بعد الوقت؟ قال: لا في الوقت، ولا بعد الوقت، وكذلك يقول أصحاب مالك: أشهب، والمغيرة، وابن كنانة وغيرهم، أنها لا تعاد الصلاة خلفهم، وإنما يعيد من صلى خلف نصراني، وإن هذا مسلم، وليس ذنبه يخرجه عن الإسلام،