منهم بذلك في ذمته إن لم يكن له مال، إن كان لم يقم عليه حد الحرابة، وإن كان أقيم عليه حد الحرابة، ولم يوجد عنده المال بعينه، فلا يتبع به إذا وفره متصلا، حكمه في ذلك حكم السارق سواء.
والآية في قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ}[المائدة: ٣٣] الآية عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - على التخيير لا على الترتيب، والإمام مخير عنده في المحارب إذا أخاف السبل، ولم يأخذ مالا، ولم يقتل بين أن يقتله وأن يصلبه أو يقطعه بخلاف، أو يجلده أو ينفيه، وليس معنى تخييره في ذلك أن يعمل فيه بالهوى، وإنما معناه أن يتخير من العقوبات التي جعلها الله جزاءه ما يرى أنه أقرب إلى الله، وأولى بالصواب، فكم من محارب لم يقتل هو أضر على المسلمين ممن قتل في تدبيره وتأليبه على قطع طرق المسلمين، فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير فوجه الاجتهاد فيه قتله وصلبه؛ لأن القطع لا يدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان ممن لا رأي له، ولا تدبير، وإنما يخوف ويقطع السبيل بذاته، وقوة جسمه قطعه من خلاف ولم يقتله؛ لأن ذلك يقطع ضرره عن المسلمين، وإن لم يكن على هذه الصفة، وأخذ بحضرة خروجه أخذ فيه بأيسر ذلك، وهو الضرب والسجن.
وإن قتل فلا بد من قتله، ويخير بالاجتهاد بين صلبه أو قتله، وإن لم يقتل وأخذ المال، فلا تخيير للإمام في نفيه، وإنما يخير الإمام بالاجتهاد بين قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف، ومعنى ما وقع في المدونة من أن من نصب نصبا شديدا، وعلا أمره، وطال زمانه قتله الإمام، ولم يكن له في ذلك خيار، معناه أن هذا هو الذي ينبغي للإمام أن يختاره، ويأخذ به في مثل هذا، فلا يكون قوله على هذا التأويل خلافا لمذهبه في أن الآية عنده على التخيير.
ويروى برك الغماد بكسر الغين، وبرك الغماد بضمها، وكذلك وقع في الدلائل في حديث أبي بكر أنه خرج مهاجرا قبل أرض الحبشة، حتى بلغ برك الغماد، وذكر الحديث، وبالله التوفيق.