وسلم إلى بني النضير ليستعينهم فيها هي دية الرجلين الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية في منصرفه من بئر معونة، بعد أن أسره عامر بن الطفيل وأطلقه، وذلك أنهما نزلا معه في ظل، فسألهما: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما قتلهما وهو يرى أن قد أصاب منهما ثأره من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بئر معُونة، وكان معهما عهد من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلم به عمرو فلما قدم على رسول الله وأخبره الخبر، قال: لقد قتلت قتيلين كان لهما جوار، لأدينهما، هذا عمل أبي براء، وذلك أن أبا براء الكلابي، ويعرف بملاعب الأسِنّة، كان قد وفد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعاه إلى الِإسلام فلم يسلم ولم ينقد. وقال له: لو بعثت رجالَاَ من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم لرجوت أن يستجيبوا لك، فقال له النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إني أخشى عليهم أهل نجد، فقال: أنا جارٌ لهم، فبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم جماعة من أصحابه، قيل: في سبعين من خيار المسلمين، فنهضوا حتى نزلوا ببئر معونة، وبعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلم ينظر في كتابه حتى عَدَى عليه فقتله، واستصرخ عليهم قبائل من سليم عُصية ورعل وذكوان فأجابوه وخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فأخذوا سيوفهم، ثم قاتلوا حتى قُتلوا من عند آخرهم إلا من كان منهم غائباً في سرحهم.
منهم عمرو بن أمية، أسروه فأطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جر ناصيته في رقبة كانت على أمه زعم. فلما ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني النضير، وكانت بينه وبينهم موادعة، ليستعين بهم في دية هذين القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ولهما منهما منه جوار. قالوا له: اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم، وترجع بحاجتك، ونقوم نتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، فقعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبي بكر، وعمر وعلي ونفر من الأنصار إلى جدار