من جُدرهم فتآمروا على قتله، وقالوا: مَن رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك بعضهم وهو عمرو بن جِحاش وأوحَى الله إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بما ائتمروا به من ذلك، فقام ولم يشعر أحد ممن معه ونهض إلى المدينة، فلما استبطأه أصحابه وراث عليهم خبره، أقبل رجل من المدينة فسألوه، فقال: لقيته وقد دخل أزقة المدينة، فقالت اليهود لأصحابه: لقد عجل أبو القاسم قبل أن نقيم له حاجته، ولحق به أصحابه بالمدينة، فأخبرهم بما أوحى الله به إليه ونزل في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ}[المائدة: ١١] ... الآية، وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه بالتهيؤ إلى قتالهم وخرج بهم إليهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فتحصنوا منه في الحصون، فحاصرهم ست ليال، وأمر بقطع النخل وإحراقها. ودسَّ إليهم عبد الله بن أبي ابنُ سلول ومن معه من المنافقين أنهم يقاتلون معهم وينصرونهم، وذلك قَوْله تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ}[الحشر: ١١] إلى قوله: {لا يُنْصَرُونَ}[الحشر: ١٢] فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم فألقوا بأيديهم وسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكف عن دمائهم ويخليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر.
وذلك معنى قوله في هذه الرواية: وأجلاهم إلى خيبر ومنهم من صار إلى الشام، وكان ممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فدانت لهم خيبر، فَصفيَّةُ بنتُ حيي بن أخطب من أهل خيبرَ كما قاله مالك في هذه الرواية؛ لأن أباها حيي بن أخطب من بني النضير، احتمل إلى خيبر، فصار من أهلها. وروي عن الحسن قال: بلغني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أجلى بني النضير. قال لهم: