" امْضُوا فَهَذَا أوَّلُ الْحَشْرِ وَأنَا عَلَى الأثَرِ» . وأنزل الله تعالى في ذلك في سورة الحشر:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ}[الحشر: ٢] إلى قوله: {وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}[الحشر: ٢] . وذلك أن المؤمنين جعلوا يخربونها من ظاهرها وجعلوهم يخربونها من أجوافها لما أيقنوا أن الله أعلم بغلبة المسلمين عليهم فيها. وقد قيل: إنما كانوا يخربون بيوتهم ليبنوا ببعضها ما هدم المسلمون من حصونهم. والأول أظهر. والله أعلم.
وأنزل في أمرهم:{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}[الحشر: ٣] يقول عز وجل: لولا أن كتب على اليهود من بني النضير في أم الكتاب الانتقال من موضع إلى موضع، ومن بلد إلى آخر لعذبتهم في الدنيا بالقتل والسباء، لكني رفعت العذاب عنهم في الدنيا بالقتل، وعذبتهم فيها بالجلاء، ولهم في الآخرة عذاب النار مع ذلك.
وأنزل تعالى في أمرهم:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}[الحشر: ٦] فكانت بنو النضير صافية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم تخمس، فكانت منها صدقاتَه، على ما قاله مالك في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وما وقع في المدونة من أنه قسم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار، معناه: ما بقي منها بعض صدقاته، وإنما خص بذلك المهاجرين دون الأنصار، حاشى سهل بن حنيف وأبي دُجانة، لفقرهما، والحارث بن الصمة؛ لأنه كان شرط على الأنصار في بيعة العقبة أن يواسوا من يأتيهم من المهاجرين، فكانوا يكفونهم المئونة، ويقاسمونهم في الثمر فلما جلا بنو قينقاع وبنو النضير، قال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن