الموردين المتينين بالزعفران، ولقد رأيت في رأسه الغالية، ورأيت ابن هرمز يلبس الثوبين بالزعفران، ورأيت عامر بن عبد الله، وربيعة بن عبد الرحمن وهشام بن عُرْوة يفرقون شعورهم، وكانت لهم شعور، وكانت لهشام جمة إلى كتفيه. قال مالك: إن كان ابن عمر ليتبع أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى إن كان يخاف على عقله.
قال محمد بن رشد: اختلف السلف الماضي في لباس المزعفر والمعصفر من الثياب، لما رُوي: من «أنّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أن يَتَزَعْفَرَ الرَجُلُ» وأنه «نَهَى عَنِ المُعَصْفَرِ» . ولما جاء «عن عبد الله بن عمر، وقال: رَآني رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيَّ ثَوْب مُعَصْفَرٌ، فَقَالَ: "ألْقِهَا فَإنَّهَا ثِيَابُ الْكُفّارِ» . «وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ، أنَّهُ قَال: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَقُولُ نَهَاكُم عَنْ لِبَاسَ الْمُعَصْفَرِ» .
ولم ير أكثرهم في ذلك بأساً. منهم عبد الله بن عمر والبراء بن عازب وطلحة بن عبيد اللَّه ومحمد بن علي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبو وائل شقيق بن سلمة وزر بن بن حبيش وعلي بن حُسين ونافع بن جبير بن مطعم، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم. وقال مالك في الموطأ في الملاحق المعصفرة في البيوت للرجل وفي الأفنية: لا أعلم من ذلك شيئاً حراماً، وغير ذلك من اللباس أحب إلي.
وما حكاه مالك عن عامر بن عبيد الله وربيعة وهشام من أنهم كانت لهم شعور، هو المستحسن عند عامة العلماء، لما في ذلك من الاقتداء بما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فقد روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه كان يَسْدُلُ شَعَره، وكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُم، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُوسَهم، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْل الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثًمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ رَأَسه. وروي أَن شَعرَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كَانَ دونَ الْجُمَّةِ وَفَوْقَ الْوَفْرَة» وروي «عن أنس أنه قِيلَ لَه: