فصار بذلك وليّاً له، وأخاً فيه. قال عزَّ وجلّ:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة: ٧١] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠] . والنّبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أحق أن تكون التحية له بتقبيل يديه، إذ هو سيد الخلق أجمعين، ورسول رب العالمين، الشافع يوم القيامة فيِ المُذنِبِين، لو كان ذلك ممَّا يُستحق في الشرع، فإذا لم تكن التحية له إلاَّ بما شرعه الله من السلام، وجب أن يستوي في ذلك الفاضل والمفضول، والعبد وسيده، والمولَى ومولاه.
وِإنَّما ينبغي أن يفعل ذلك المولى بمولاه، والعبد بسيده، فلا ينهاه إذا لم يكن مسلماً. فقد روي عن صفوان بن عسال المرادي، قال: «قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... لا تقل نبيّ، إنَّه لو سمعه كان له أربعة أعين، فأَتيا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألاه عن تسع آيات بيّنات، فقال لهم:"لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حًرّمَ اللَّهُ إِلّا بِالْحَقِّ وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَىٍ السُّلْطَانِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تأكلُوا الرِّبا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُم خَاصَّة الْيَهُودِ أن لَا تَعْدُوا يَوْمَ السَّبْتِ". فَقَامُوا فَقبَّلُوا يَدَهُ. وفي بعض الأحاديث: فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَا: نَشْهَد أَنكَ نَبِيُّ اللَّهِ وَإِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ» . قال الترمذي: وهو حديث حسن صحيح.
وأَما حديث سالم الذي أَنكره إذ ذكر له، فهو ما روي أن عبد الله بن عمر كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَر، قَبَّلَ سَالِماً، وَقَالَ: شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخاً. وإنَّما ذكر له والله أَعلم، لما جرى من ذلك القبلة، لا على سبيل الحجة في جواز تقبيل العبد والمولى يد سيده أو مولاه لافتراق المعنى في ذلك؛ لأن تقبيل العبد أو المولَى يد سيده أو مولاه على سبيل التعظيم،