وتقبيل الرجل لابنه الكبير وما أشبهه من ذوات المحارم من النساء، على سبيل المحبة والمودة والحَنان والرحمة، كتقبيل الطفل الصغير، فذلك بخلاف تقبيل الرجل يد سيده ومولاه، وِإنَما أَراد عبد الله بن عمر بقوله:"شيخ يقبل شيخاً" الِإعلام بأن ذلك جائز على هذا الوجه، لا على وجه مكروه.
وقد جاء ذلك عن النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. روي عن عائشة من روايةِ محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عنها قالَ:«قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامِ إِلَيْهِ رَسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُريَاناً يَجُر ثَوْبَهُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرياناَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» . وَقَالَ فيه الترمذي: إِنَّه حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري من غير هذا الوجه. وجاء أيضاً «عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنهُ اعْتَنَقَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ» . فيجب أن يُتَأَوَّل ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تقبيله لزيد بن حارثة، وما روي عن عبد الله بن عمر من تقبيله لابنه سالم، أنَها إِنَّما كانت فيما بين العينين أَو الرأس، أو الخدين، لا في الفم. ولما كان الأظهر في القبلة إِذا أطلقت أنها في الفم، أنكر مالك حديث سالم في تقبيل عبد الله بن عمر إِيَّاه، وقوله:"شيخ يقبل شيخاً"، وقال:"إِيَّاكم أَن تهلكوا في مثل هذه الأحاديث"، فنهى أَن يُتحدث بها، تحذيراً منه أَن يحملها الجاهلُ على ظاهرها فيستبيح بها أَن يقبل الرجل وليهُ أو قريبه أَو صديقه أَو ولده الكبير في فمه، فيتراقى ذلك في الناس إلى ما لا يصلح، وهذا من نحو ما مضى في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين، لا يروي لنا أَحد هذه الأحاديث:«إنَّ اللَّه خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورتِهِ» أَو نحو هذا من الأحاديث، وأعظم أن يتحدث بها أَحد أو يرويها لِما يخشى من أَن يحملها الجاهل على ظاهرها من تشبيه الله بخلقه