للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه: إنك تمشي على الماء، فقال له عيسى: وأَنت إِن كنت لم تخط خطيئة مشيت على الماء، فقال له الرجل: مَا أَخطأت خطيئة قط. فقال له عيسى: فامش، فمشى ذاهباً وراجعاً، حتى إذا كان ببعض البحر إِذا هو قد غرق، فدعا عيسى فأخرج، فقال له عيسى: ما لك ذهبت ورجعت فغرقت؟ أَليس زعمت أنك لم تخط خطيئة قط؟ فقال: ما أخطأتَ شيئاً قط، إِلَّا أَنَّه وقعِ في قلبي أَنِّي مثلك.

قال مالك: وبلغني أن عيسى ابن مريم أتته امرأتان فقالتا له: ادع الله يخرج لنا أَبانا فإِنَّه مات ونحن غائبتان عنه، قال: فأين قبره؟ فأشارتا إليه في قبره، فدعا فأُخرج، فإذا هو ليس هو، قال: ثم دلَّتاه على قبر آخر فخرجَ فإذا هو هو، والتزمتاه، ثم قالتا له: اتركهُ يكون معنا. قال: كيف أتركه وليس له رزق يعيش فيه؟

قال الِإمام القاضي: مشيُ عيسى ابن مريم على الماء معجزة من معجزاته، وكذلك مشي الرجل من أَصحابه على الماء بحضرته إلى أن غرق بما حدث به نفسه من معجزاته أَيضاً؛ لأن ما كان من الآيات الخارقة للعادات في زمن نبي من الأنبياء، لبعض أصحابه فهو معدود في جملة معجزاته، والخطيئة التي غرق من أَجلها صاحب عيسى ابن مريم هي مما قد يجاوز الله لهذه الأمة بفضله عن مثلها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَجَاوَزَ اللَّهُ لأِمَّتِي عَمَّا حًدّثْت بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانٌ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ يَدٌ» . ويروى الحديث: "مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا" بالنصب، "وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا" بِالرفع، فمن رواه "ما حدثت به أنفسُها" بالرفع، قال: الخواطر التي ببعض الرجل من غير قصد منه إِليها ولا اختيار لها، مثل قوله عزَ وجلّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: ١٦] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>