وأَما السواد فما سمعت فيه شيئاً. وغيره من الصباغ أَعجب إليّ منه.
قال محمد بن رشد: أما صبغ الشعر وتغيير الشيب بالحنا والكتم، والصفرة، فلا اختلاف بين أَهل العلم في أن ذلك جائز، وإنَّما اختلفوا هل الصبغ بذلك أحسن، أو ترك الصبغ جملة أحسن؟، بدليل هذه الرواية أن ترك الصبغ أحسن، لأنه لما وسع في الصبغ دلَّ على أن تركه عنده أحسن. ودليل ما في الموطأ أن الصبغ بذلك أحسن، لأنه قال فيه: إن ترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على أحد فيه ضيق. ودليل هذا ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إِنَّ الْيَهُودَ وَالنِّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُم» وما ذكره في موطئه عن أبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ. قَالَ: وكَانَ جَليساً لَهُم، وَكَانَ أَبْيَضَ اللِّحْيَة والرأس قَالَ: فَغَدا عَلَيْهِم ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ حَمَّرَهَا فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: هذَا أَحْسَنُ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي عَائِشَة زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ إِلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارَتَهَا نُخَيلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلًيّ لأصْبُغَنَّ، وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَصْبُغُ. وفي هذا الحديث بيان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصبُغ قاله مالك، إذ لو صبغ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرَّحمن.
وقد «سُئل أنس بن مالك عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر بالحنا والكتم، وخضب عمر بالحنا قيل له: فرسول الله، قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء» وسُئل سعيد بن المسيب، أَخضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال:" لم يبلغ ذلك ". وروي «عن أَبي الدرداء أَنَّه قال: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يخضب، ولكنه قد كان فيه شعرات بيض، فكان