استشهد يوم بدرٍ وأن أمه حزنت عليه، فاجتمع إليها النساء يعزينها وقلن ما لك لا تبكين على حارثة؟ فقالت: لا أبكي عليه حتى يأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسأله، فإن كان في الجنة لا أبكي عليه، وإن كان غير هذا فسترين بكائي، قال: فعجلت فلقيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند بير أبي عنبة عند الحرة، فقالت: يا رسول الله: أَقُتِلَ حَارِثَة؟ قال: نَعَمْ، قالت: أفي الْجَنَّةِ هُو؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أمَّ حَارِثَةَ، إنَّهَا لَجِنَانٌ كَثِيرَةٌ وإنَّهُ فِي الْفِرْدَوْس الأعْلَى.» قال مالك:«إن عبد الله بن عمرو بن حرام أبا جابر بن عبد الله صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان استشهد يوم أحد، وأنه كان عليه دين قد رهقه فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا كان الجداد فآذني فأَذنته فوضع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده ودعا فيه فكال منه لأهل دينه وبقي بعد ذلك مثل الذي كان فيه قبل قضاء الدين» .
قال محمد بن رشد: حارثة المذكور في الحديث الأول هو حارثة بن سُراقة بن الحارث الأنصاري من بني النجار، شهد بدراً فكان أول قتيل قتل فيه، رماه حبان بن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض، فأَصاب حنجرته فقتله. وفيه أن منزلة الشهيد في سبيل الله، أرفعُ المنازل في الجنة عند الله. قال عز وجل:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}[آل عمران: ١٦٩]