الآية. وبير أبي عنبة على ميل من المدينة خرجت إلى النبي فتلقته عند البير المذكور. وأما حديث عبد الله بن حرام ففيه علم جليل من أعلام نبوة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأنه كان عليه من الدين أكثر مما في الحائط من الثمر بكثير، لا يشك في ذلك، فكال منه لأهل دينه جميع ديونهم وبقي بعد ذلك من الثمر مثل ما كان فيه قبل قضاء الدين ببركة دعاء النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفي قوله: فكال منه لأهل دينه وبقي منه بعد ذلك مثل الذي كان فيه بعد قضاء الدين، تقديم وتأخير، وصواب الكلام دون تقديم ولا تأخير فكال منه لأهل دينه، وبقي منه بعد ذلك بعد قضاء الدين مثل الذي كان.
ففي بعض الآثار: وَبَقِيَ لَنَا خَرْص نَخْلِنَا كَمَا هُوَ. وفي بعضها: وَفَضِلَ مِنْة مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْل فِي كلِّ عَامٍ. والحديث يروى من وجوه كثيرة بألفاظ مختلفة، وعلى المعجزة في ذلك متفقة. منها ما روي «عن جابر بن عبد الله أن أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً وَعَلَيْهِ ديْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حقُوقِهِم. قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَكَلَّمْتُهُ، فَسَأَلَهُم أَنْ يَقبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلٍّلُوا أَبِي فَأبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهم رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَائِطِي وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُم وَلَكِنَّهُ قَالَ: سَأَغْدُو عَلَيْكَ، فَغَدَاه عَلَيَّ حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْل وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ» . الحديث، وفي هذا الحديث من الفقه أنه من كان له على رجل مكيلة ثمر فجائز له أن يأخذ منه فيما له من المكيلة ثمراً جِزافاً في رءوس النخل إذا كان قد استجد وحان قِطافه، إذا لم يشك أن ذلك مما كان له من المكيلة، ويحلله من بقية حقه، وهو مذهب مالك. ومن أهل العلم من يخالفه في ذلك وبالله التوفيق.