للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي قال عمر لأبي موسى؟ ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فقال: إِن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنَا أتقيها، ووالله ما سمعت هذا قط قبل هذا المجلس، وكره القراءة بالألحان. وقال هذا عندي يشبه الغناء، ولا أحِبُّ أن يعمل بذلك. وقال: إِنما اتخذوها يأكلون بها، ويكسبون عليها. قال: وسئل مالك عن النفر يتحلقون في السورة الواحدة، فكره ذلك، وقال: لا يعجبني هذا من العمل. قال ابن القاسم فهو رأيي.

قال محمد بن رشد: إنما كره مالك للقوم أن يقولوا للحسن الصوت: اقرأ علينا، إذا أرادوا بذلك حسن صوته كما قال، لا إذا قالوا ذلك له استدعاءً لرقة قلوبهم بسماع قراءته الحسنة. فقد روي أن رسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أذِنَ لِنَبيٍّ يَتَغنَّى بالقرآن» أي ما استمع لشيء يحسن صوته بالقرآن طلباً لرقة قلبه بذلك.

وقد كان عمر بن الخطاب إِذَا رَأى أبا موسى الأشعري قال: ذَكّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأ عِنْدَهُ. وكان حسن الصوت، فلم يكن عمر ليقصد الالتذاذ بحسن صوته، وإنما استدعى رقة قلبه بسماع قراءته للقرآن، وهذا لا بأس به، إذا صح من فاعله على هذا الوجه. وقول مالك: إن من الأحاديث أحاديث قد سمعتها وأنا أتقنها، إنما اتقى أن يكون التَّحدثُ بما روي عن عمر بن الخطاب من هذا ذريعةً لاستجازة قراءة القرآن بالألحان ابتغاء سماع الأصوات الحسان، والالتذاذ بذلك، حتى يقصد أن يقدم الرجل للِإمامة لحسن صوته، لا لما سوى ذلك، مما يجب أن يرغِّب في إِمامته لأجله، فقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتّاً» . فذكرها أحدها: «نشْوا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمون أحَدَهُم لِيُغَنِّيَهُم، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>