أقَلَّهُم فِقْهاً» . فالتحذيرُ إنما وقع في الحديث لِإيثارهم تقديم حَسَنِ الصوت على الكثير الفقه، فلو كان رجلان مستويَيْن في الفضل والفقه، وأَحدهما أحسن صوتا بالقراءة، لَما كان مكروهاً أن يقدم الأحسن صوتاً بالقراءة، لأنها مزية زائدة محمودة، خصه الله بها. وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسى الأشعري تغْبيطاً له بما وهبه الله من حسن الصوت، «لَقَدْ أوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آل دَاوودَ» .
وأما ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالْقُرْآنِ» . فقيل معناه: من لم يستغن بالقرآن أي من لم ير أنه به أَفضل حالاً من الغناء بغناه. وقيل: معناه من لم يحسن صوته بالقرآن استدعاء لرقة قلبه بذلك. وقد قيل لابن أَبي مليكة: أحَدِ رُواة الحديث: فمن لم يكن له حلق حسن. قال: يحسنه ما استطاع والتأويل الأول أولى، لأن قوله في الحديث. «لَيْس منَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» يدل على أنه من لم يفعل ذلك فهو مذموم، وليس من ابتغى ثواب الله من غير أن يحسن به صوته مذموماً على فعله.
وقد مضى هذا في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة لتكرر المسألة هناك. وإِنما كره مالك لقوم يتحلقون في السورة الواحدة، لأنه أَمر مبتدع، ليس من فعل السلف، ولأنهم يبتغون من الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضاً، وزيادة بعضهم في صوت