واختلفت الرواية في ذلك عن عبد الله بن عمر، فروى عنه نافع أنه قال: إذا فقد الرجل الهدي فقد أحرم، والمرأة كذلك، ما لم تحج فهو حرام حتى ينحر هديه، وروي عن أبي العالية أنه سمعه يقول: يقولون إذا بعث الرجل بالهدي فهو محرم، والله لو كان محرما ما كان له حل دون أن يطوف بالبيت، والله هذا أولى؛ لأنه أصح في النظر وأثبت من جهة الأثر، وإن كان نافع أثبت في ابن عمر من أبي العالية.
وهذه مسألة يتحصل فيها من أقوال العلماء أربعة أقوال.
أحدها: أنه لا يكون بالتقليد والإشعار محرما حتى يحرم، كان مع هديه أو لم يكن معه، وبعث به على أن يتبعه وهو يقيم في أهله، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه، على حديث عائشة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وما روي عنها من أنها قالت: لا يحرم إلا من أهل ولبى.
والثاني: ضد هذا القول، أنه يكون بالتقليد والإشعار محرما، كان مع الهدي أو لم يكن معه، وبعث به على أن يتبعه وهو يريد الحج، أو على ألا يتبعه ويقيم في أهله، وهو مذهب ابن عباس وجماعة سواه، على ما جاء في حديث ابن جابر.
والثالث: أنه يكون بالتقليد والإشعار محرما إذا أراد الحج، كان مع هديه أو بعث به، وهو يريد أن يتبعه وبحج، ولا يكون محرما إذا لم يرد الحج، بعث به مع من يقلده ويشعره أو قلد هو وأشعره وبعث به، وهو قول الثوري. والرابع: أنه لا يكون محرما بالتقليد إلا أن يكون مع هديه وهو يريد الحج، فإن بعث بهديه فقلد وأشعر وهو لا يريد الحج ثم بدا له أن يحج فلا يكون بخروجه محرما، حتى يدرك هديه فيأخذه ويسير به، وهو قول أبي حنيفة، ومن مذهبه لا يكون محرما إلا بالتقليد، ولا يراعى في ذلك الإشعار، وأنه إن أهدى الغنم فلا يكون بتقليدها محرما إذ لا يقلد الغنم،