للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشوارب، فقال: معناه أن يقص حتى يحفي منه الإطار لا جميعه.

وقوله صحيح؛ لأن استعمال الأحاديث وحمل بعضها على التفسير لبعض أولى من الأخذ ببعضها والاطراح لسائرها، لا سيما وفي العمل المتصل من السلف بالمدينة بترك إحفاء الشوارب دليل واضح على أنهم فهموا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه إنما أراد بإحفاء الشوارب قصها والأخذ منها وألا تعفى كما يفعل باللحى، وهو دليل واضح، ولذلك قال مالك: إن حلق الشارب مثله، وحكم له في رسم الجامع من سماع أشهب من كتاب السلطان بأنه بدعة، ورأى أن يؤدب من فعل ذلك؛ لما فيه من تقصير المتقدم في مخالفتهم ظاهر الحديث والجهل به، وهم ما جهلوه ولا خالفوه، لكنهم تأولوه على ما تأوله عليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يصح أن يكون المتأخر أعلم بمراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السلف المتقدم، وقد قال بعض المتأخرين: إن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء وهو الإطار، فذلك هو الذي يحفى.

والصحيح أن الشارب ما عليه الشعر من الشفة العليا إلا أن المراد بإحفائها إحفاء بعضها وهو الإطار منها، لا إحفاء جميعها بدليل الحديثين الأخيرين، وقد روي عن ابن القاسم أنه كان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويقول: تفسير حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إحفاء الشارب إنما هو الإطار، والأظهر أن ذلك ليس بمكروه، وأنه مستحسن، فيقص الشارب لما جاء في الحديث من أن قصه من السنة، ويحفى الإطار منه لما جاء في الحديث من الأمر بإحفاء الشوارب.

<<  <  ج: ص:  >  >>