لأحد عن القدر، فلهذا قال مالك: ما أرى بأسا إن خرج أو أقام، أي: لا حرج عليه إن قدم على البلد في مخالفة النهي، إذ ليس بنهي تحريم، بل له الأجر إن شاء الله إذا قدم عليه موقنا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فهو يؤجر إذا قدم عليه لهذا الوجه، ويؤجر إذا لم يقدم عليه لاتباع نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ذلك، فهذا وجه تخيير مالك إياه في ذلك.
وكذلك قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» - ليس بنهي تحريم وإنما هو أمر بالمقام الذي هو أفضل من أجل الاستسلام للقدر، فالمقام أفضل بوجهين: أحدهما: اتباع الحديث، والثاني: الاستسلام للقدر، والخروج جائز لا حرج فيه إن شاء الله إلا أنه مكروه لمخالفة الحديث.
وقد أمر به عمرو بن العاص فروي عن الطاعة، فقال: تفرقوا عنه فإنما هو بمنزلة نار، فقام معاذ بن جبل، فقال: لقد كنت فينا وأنت أضل من حمار أهلك، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«هو رحمة لهذه الأمة» اللهم فاذكر معاذا فيمن تذكره في هذه الرحمة "، فمات في طاعون عمواس بالأردن من الشام سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وروي عن شرحبيل بن حسنة أن عمرو بن العاص قال وقد وقع الطاعون بالشام: إنه رجس فتفرقوا عنه، فقال شرحبيل: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم فلا تفرقوا عنه» . قال ابن عبد البر في الاستذكار أظن قوله " ودعوة نبيكم " قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم فاجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون، قالت عائشة: يا رسول الله، الطعن عرفناه، فما الطاعون؟