للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه، فيقول: إنه يعلم متى يقدم فلان، ويعلم وقت نزول الأمطار وما في الأرحام وما يستسر به الناس من الأخبار وما يحدث من الفتن والأهوال وما أشبه ذلك من المغيبات، فقيل: إن ذلك كفر يجب به القتل دون استتابة؛ لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: ٥٠] ، ولقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قال الله عز وجل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» ، وقيل: إنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن أشهب، وقيل: إنه يزجر عن ذلك ويؤدب عليه، وهو قوله في هذه الرواية، والذي أقول به: إن هذا ليس باختلاف قول في موضع واحد، وإنما هو اختلاف في الأحكام بحسب اختلاف الأحوال، فإذا كان المنجم يزعم أن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب هي الفاعلة لذلك كله وكان مستسرا بذلك فحضرته البينة قتل بلا استتابة؛ لأنه كافر زنديق، وإن كان معلنا بذلك غير مستسر به يظهره ويحاج عليه استتيب، فإن تاب وإلا قتل كالمرتد سواء، وإن كان مؤمنا بالله عز وجل مقرا بأن النجوم واختلافها في الطلوع والغروب لا تأثير لها في شيء مما يحدث في العالم، وأن الله هو الفاعل لذلك كله إلا أنه جعلها أدلة على ما يفعله، فهذا يزجر عن اعتقاده ويؤدب عليه أبدا حتى يكف عنه ويرجع عن اعتقاده ويتوب عنه؛ لأن ذلك بدعة يجرح بها، تسقط إمامته وشهادته على ما قاله سحنون في نوازله من كتاب الشهادات.

ولا يحل للمسلم أن يصدقه في شيء مما يقول، وأنى يصح أن يجتمع في قلب مسلم تصديقه مع قول الله عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: ٦٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>