فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هزم أعداء الله فما لقعودنا هاهنا معنى، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتبهم خلف الجيش لئلا يأتي العدو من ورائهم، فذكرهم أميرهم أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياهم ألا يزولوا فلم يلتفتوا إلى قوله، وقالوا: قد انهزموا، ثم كر المشركون فتولى المسلمون وثبت منهم من أكرمه الله بالشهادة، وجرح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة رأسه وأكبت الحجارة عليه حتى سقط في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على جنبه فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام ونشبت حلقتان من درع المغفر في وجهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بثنيتيه فسقطتا فكان أهتم يزينه هتمه، ومص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجزاه عن أمته ودينه بأفضل ما جازى به نبيا من أنبيائه عن صبره، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري، فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعينه على وجنته فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وغمزها، فكانت أحسن عينيه وأصحهما، وأدرك أبي بن خلف يومئذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتناول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحربة من الحارث ابن الصمة ثم طعنه في عنقه فكر منهزما، فقال له المشركون: والله ما بك من بأس، فقال: والله لو بصق علي لقتلني، أليس قد قال: بل أنا أقتله، وقد كان أوعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقتل بمكة، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فمات عدو الله من ضربة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرجعه إلى مكة بموضع يقال له سوق، وكان خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال، والوقيعة يوم السبت للنصف منه، وكان على ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى