اشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة، فأذن له في ذلك، ومرض فيه إلى أن مات فيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقول لعائشة في مرضه ذلك:«يا عائشة ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، وما زالت تلك الأكلة تعادني، فهذا أوان قطعت أبهري» .
وأوصاهم في مرضه بثلاث: أن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزهم به، وألا يتركوا في جزيرة العرب دينين، «أخرجوا منها المشركين، والله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم، فأحسنوا إليهم» ، وقال:«لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ، وقال لهم: «هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا "، فاختلفوا وتنازعوا واختصموا، فقال: " قوموا عني، فإنه لا ينبغي عندي تنازع» ، وكان عمر القائل حينئذ: قد غلب عليه وجعه، وربما صح، وعندكم القرآن، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين أن يكتب ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. وكان يقول في صحته:" «ما يموت نبي حتى يخير ويرى مقعده» ، روته عائشة، قالت: «فلما اشتد مرضه جعل يقول: " مع الرفيق الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» ، فعرفت أنه ذاهب، ولما عجز عن الخروج إلى المسجد قال:«مروا أبا بكر فليصل للناس» ، وقال في مرضه:«أهريقوا عَلَيَّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس» ، فأجلس في مخضب لحفظه، ثم صب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إليهم بيده أن حسبكم، ثم خرج إلى الناس وأبو بكر يصلي للناس، فتأخر أبو بكر وتقدم النبي عليه