قال محمد بن رشد: جاء في هذا التفسير أن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: رب اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، فوددت أنك أعطيتني من ذلك شيئا كمثل ما أعطيتهما، قال الله تعالى: " إني ابتليتهما بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بما ابتليتهما وأعطيتك مثل ما أعطيتهما، قال داود: أي رب نعم. فقال الله عز وجل له: اعمل عملك حتى يتبين بلاؤك، فمكث كذلك ما شاء الله يقوم الليل ويصوم النهار، فكان على ذلك، فبينما هو في المحراب ذات يوم والزبور بين يديه، إذ جاء طائر فوقع قريبا منه فتناوله داود فطار إلى الكوة فقام ليأخذه. وقال بعضهم: وضع مصحفه وقام ليأخذه، فوقع الطائر إلى البستان، فأشرف داود فنظر فإذا هو بامرأة تغتسل في البستان، فعجب من حسنها، ونظرت فأبصرت ظله فنفضت شعرها فغطاها فزاده ذلك عجبا بها، ثم أرسل غلاما له فقال: اتبع هذه المرأة واعلم من هي وبنت من هي وهل لها زوج؟ فاتبعها الغلام حتى عرفها، فرجع فقال هي ابنة فلان زوجها فلان، وزوجها يومئذ مع ابن أخت داود في بعث [فكتب داود إلى ابن أخته أن ابعث فلانا بعزيمة فلا يرجع حتى يفتح المدينة أو يقتل، فبعثه] فقتل، فلما انقضت عدة المرأة أرسل إليها فتزوجها فهي أم سليمان بن داود - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فلما رأى الله عز وجل ما وقع فيه عبده أحب أن يستنقذه فأرسل إليه ملكين في صفة رجلين، فأتياه في المحراب والحرس حول المحراب، وهم ثلاثة وثلاثون ألفا، فرأى داود الرجلين قد تسورا المحراب ففزع منهما وقال: لقد ضعف سلطاني حتى إن الناس يتسورون محرابي، فقال أحدهما:{لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}[ص: ٢٢] إلى قوله: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص: ٢٤]