فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه وضحك. فلما رأى داود ضحكه علم أنه مفتون، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب وبقي ساجدا أربعين يوما حتى نبت العشب من دموعه، لا يقوم من سجوده ذلك إلا إلى صلاة أو لقضاء حاجة لا بد منها، فتاب الله عليه.
وهذا مثل ضربه الملكان لداود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأمر الله إياهما بذلك إجلالا لداود وإكراما له أن يستقبلاه بأنك أخطأت أو جرت، فضربا له مثلا برجلين هذه صفتهما، فلما حكم على أحدهما بأنه ظلم ارتفع الملكان عنه، فحينئذ علم أنهما ملكان بعثهما الله لينبهاه على ما كان منه. ولم يكن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم أن الذي كان منه عليه فيه إثم، وكذلك سائر الأنبياء - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لا يعلمون على تعمد المعصية، إنما هي على تأويل أو غفلة أو نسيان، والله أعلم.
وحكى بعض المفسرين أن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جمع عباد بني إسرائيل فقال أيكم كان يمتنع من الشيطان يوما لو وكله الله إلى نفسه؟ فقالوا لا أحد إلا أنبياء الله، فكأنه عرض إليهم، فبينما هو في المحراب في يوم صلاته والحرس حوله والجنود إذا هو بطير حسن قد وقع على شرافة من شرافات المحراب. قال بعضهم من ذهب، وبعضهم جؤجؤه من ذهب وجناحاه ديباج، ورأسه ياقوتة حمراء، فأعجبه وكان له بني يحبه، فلما أعجبه حسنه وقع في نفسه أن يأخذه فيعطيه ابنه. فانصرف إليه، فجعل يطير من شرفة إلى شرفة ولا يؤيسه حتى طار فوق ظهر المحراب، وخلف المحراب حائط يغتسل فيه النساء الحيض إذا طهرن لا يشرف على ذلك