وأما الرواية: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن، فمن مصحح لها ومن طاعن عليها، وأكثر أهل النقل على إنكار ذلك وعلى أنه غلط وقع من طريق التأويل لبعض النقلة، توهم أن الهاء ترجع إلى الله عز وجل فنقل الحديث على ما توهم من معناه. فأما الرواية المحفوظة وهي: إن الله خلق آدم على صورته فتحتمل وجوها من التأويل: منها أن الهاء من قوله: إن الله خلق آدم على صورته عائدة على رجل مر النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه وأبوه أو مولاه يضرب وجهه لطما ويقول قبح الله وجهك، فقال:«إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» . وقد روي أنه سمعه يقول: قبح الله وجهك فزجره النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك بقوله ذلك وأعلمه به أنه قد سب آدم لكونه مخلوقا على صفته، ومن دونه من الأنبياء أيضا. ومنها أن الكناية في قوله على صورته ترجع إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون معنى الحديث وفائدته الإعلام بأن الله عز وجل لم يشوه خلقه حين أخرجه من الجنة بعصيانه كما فعل بالحية والطاووس اللذين أخرجهما منها معه، على ما روي من أنه سلب الحية قوائمها وجعل أكلها من التراب، وشوه خلق الطاووس؛ والثاني أن يكون معناه وفائدته إبطال قول الدهرية الذين يقولون إنه لا إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ولا دجاجة إلا من بيضة، ولا بيضة إلا من دجاجة، لا إلى أول؛ والثالث أن يكون معناه وفائدته إبطال قول أهل الطبائع والمنجمين الذين يزعمون أن الأشياء بتأثير العناصر والفلك والليل والنهار، فأعلم النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث أن الله عز وجل هو المنفرد بخلق آدم على ما كان عليه من الصورة والتركيب والهيئة لم يشاركه في شيء من ذلك فعل طبع ولا تأثير فلك، وخص آدم بالذكر تنبيها على سائر المخلوقات لأنه أشرفها.