في البعد ليلة أربعة عشر، فتكمل استدارته وضوؤه لمقابلته الشمس، ثم يأخذ في القرب منها، فلا يزال ضوؤه ينقص إلى أن يدرك الشمس فيصير بإزائها على ما أحكمه خالق الليل والنهار، لا إله إلا هو.
فإذا قدر الله تعالى على ما أحكمه من أمره وقدره من منازله في مسيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الأبصار وبين الشمس ستر جرمه عنا ضوء الشمس كله إن كان مقابله، أو بعضه إن كان منحرفا عنها، فكان ذلك هو الكسوف للشمس، آية من آيات الله تعالى، يخوف الله بها عباده، كما قال عز وجل:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا}[الإسراء: ٥٩] ، ولذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالدعاء عند ذلك، وسن له صلاة الكسوف، فليس في معرفة وقت الكسوف بما ذكرناه من جهة النجوم وطريق الحساب ادعاء علم غيب، ولا ضلالة وكفر على وجه من الوجوه، ولكنه يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وفي الإنذار به قبل أن يكون ضرر في الدين؛ لأن من سمعه من الجهال يظن أن ذلك من علم الغيب، وأن المنجمين يدركون علم الغيب من ناحية النظر في النجوم، فوجب أن يزجر عن ذلك قائله، ويؤدب عليه كما قال؛ لأن ذلك من حبائل الشيطان.
وأما قوله: فلان يقدم غدا، فهو من التخرص في علم الغيب والقضاء بالنجوم، وقد اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه، فيقول: إنه يعلم متى يقدم فلان، ووقت نزول المطر، وما في الأرحام، وما يستتر الناس به من الأخبار، وما يحدث من الفتن والأهوال، وما أشبه ذلك من المغيبات، فقيل: إن ذلك كفر يجب به القتل دون استتابة؛ لقول الله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا}[الفرقان: ٥٠]