الحرب خدعة، فذهب فخذل بين قريش وبين بني قريظة، فاختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا شديدة عاصفة في ليال باردة لم يبق لهم بناء إلا قلبته، ولا قدر إلا كفأته، وكان في حفر الخندق آيات بينات، وعلامات النبوءة مذكورة عند أهل السير والآثار.
وفي هذه السنة كانت غزوة بني قريظة، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أصبح وقد ذهبت الأحزاب ورجع إلى المدينة ووضع الناس سلاحهم عند صلاة الظهر أتاه جبريل في صفة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة. فقال لهم: إن كنتم وضعتم سلاحكم فإن الملائكة لم تضع سلاحها، والله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم ومزلزل بهم، فنادى منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من كان سامعا مطيعا فلا يصل العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الأموال، وتسبى النساء والذراري، فقتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجالهم: حيي بن أخطب وكعب بن أسد ستمائة أو سبعمائة، استنزلهم ثم قتلهم بالمدينة، واصطفى من نسائهم عمرة بنت قحافة، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة وهي نباتة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتله. وروي عن عائشة أنها قالت: إن كانت لعندي تضحك وتحدث ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقتل رجالهم؛ إذ هتف هاتف: أين فلانة؟ قالت: أنا والله مقتولة، قلت: ويلك لم؟ قالت: لحدث أحدثته، فانطلق بها فضربت عنقها.