أَتَنَكَّبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلَّا يَرَانِي حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْتُ مَعَهُمْ وَأَخَذْتُ حَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ رأيت مُسَيْلِمَةَ قَائِمًا وَبِيَدِهِ السَّيْفُ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيَّأْتُ لَهُ وَتَهَيَّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعَتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَشَدَّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيُّ بِالسَّيْفِ فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ، فَإِنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ. قُلْتُ: الْأَنْصَارِيُّ هُوَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الرِّدَّةِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ. وقال سيف بن عمرو: هو عدي ابن سهيل وَهُوَ الْقَائِلُ:
أَلَمْ تَرَ أَنِّي وَوَحْشِيَّهُمْ ... قَتَلْتُ مسيلمة المعين
ويسأل الناس عن قتله ... فقلت صربت وَهَذَا طَعَنْ
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ وَحْشِيًّا هُوَ الَّذِي بَدَرَهُ بِالضَّرْبَةِ وَذَفَّفَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ، لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ صَارِخًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ مَقْتَلِ حَمْزَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضمريّ قال خرجت مع عبد اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ مُعْتَجِرًا عِمَامَةً لَا يَرَى مِنْهُ وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَذَكَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ قِيَافَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا عَرَفَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ أَقْدَامَ زَيْدٍ وَابْنِهِ أُسَامَةَ مَعَ اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمَا. وَقَالَ فِي سِيَاقَتِهِ: فَلَمَّا أَنَّ صُفَّ النَّاسُ لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ:
يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ وِرْكَيْهِ قَالَ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لَأَخْرُجُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ، قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ كَتِفَيْهِ، قَالَ وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جارية على ظهر البيت: وا أمير المؤمنيناه قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَبَلَغَنِي أَنَّ وَحْشِيًّا لَمْ يَزَلْ يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ حَتَّى خُلِعَ مِنَ الدِّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخطاب يقول: قد قلت أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ. قلت:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute