الّذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه ﵃ فان الحق الظاهر لا يحتاج الى روية ولا فكر ولا نظر بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر. ولهذا
قال رسول الله ﷺ مادحا للصديق ما دعوت أحدا الى الإسلام الا كانت له كبوة غير أبى بكر فإنه لم يتلعثم ولهذا كانت بيعته يوم الثقيفة أيضا سريعة من غير نظر ولا روية لان أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة ﵃ ولهذا
قال رسول الله ﷺ لما أراد أن يكتب الكتاب الّذي أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه وقال يأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر ﵁. وقول كفرة قوم نوح له ولمن آمن به. ﴿وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ﴾ اى لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا مزية علينا ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ * قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ﴾ وهذا تلطف في الخطاب معهم وترفق بهم في الدعوة الى الحق كما قال تعالى ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى﴾ وقال تعالى ﴿اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وهذا منه يقول لهم ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ اى النبوة والرسالة ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ اى فلم تفهموها ولم تهتدوا اليها ﴿أَنُلْزِمُكُمُوها﴾ أي أنغضبكم بها ونجبركم عليها ﴿وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ﴾ أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه ﴿وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ﴾ اى لست أريد منكم اجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم واخراكم إن أطلب ذلك الا من الله الّذي ثوابه خير لي وابقى مما تعطونني أنتم. وقوله ﴿وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ كأنهم طلبوا منه ان يبعد هؤلاء عنه ووعدوه ان يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك فأبى عليهم ذلك وقال ﴿أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ اى فأخاف ان طردتهم ان يشكوني الى الله ﷿ ولهذا قال ﴿وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله ﷺ ان يطرد عنه ضعفاء المؤمنين كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم نهاه الله عن ذلك كما بيناه في سورتي الأنعام والكهف ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ اى بل أنا عبد رسول لا أعلم من علم الله الا ما أعلمنى به ولا أقدر الا على ما أقدرنى عليه ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ﴿وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾. يعنى من اتباعه ﴿لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ اى لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة الله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم ان خيرا فخير وان شرا فشر كما قالوا في المواضع الأخر ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاِتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ * وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً﴾