للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالذِّمَامِ وَمَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الْأَحْزَابِ، فَلَمَّا ذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَانْقَشَعُوا عَنِ الْمَدِينَةِ وَبَاءَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ بِسَوَادِ الْوَجْهِ وَالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَاصِرَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَنَابُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْكُمَ فِيهِمْ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى رَئِيسِ الْأَوْسِ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَرَضُوا بِذَلِكَ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلُوا ابْتِدَاءً عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ لِمَا يَرْجُونَ مِنْ حُنُوِّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ وَمَيْلِهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِأَنَّهُمْ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْدَادِهِمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ لِشِدَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدِّيقِيَّتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي خَيْمَةٍ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَجِيءَ بِهِ عَلَى حِمَارٍ تَحْتَهُ إِكَافٌ قَدْ وُطِّئَ تَحْتَهُ لِمَرَضِهِ وَلَمَّا قَارَبَ خَيْمَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ هُنَاكَ بِالْقِيَامِ لَهُ قِيلَ لِيَنْزِلَ مِنْ شِدَّةِ مَرَضِهِ، وَقِيلَ تَوْقِيرًا لَهُ بِحَضْرَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا حَكَمَ فِيهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ وَعَادَ إِلَى خَيْمَتِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ وَاخْتَارَ اللَّهُ لَهُ مَا عِنْدَهُ فَانْفَجَرَ جُرْحُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَزَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا. حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الّذي مات فتحت لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِهِ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ «سُبْحَانَ اللَّهِ» مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ «الله أكبر الله أكبر» فكبر القوم، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَجِبْتُ لِهَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِينَ فُرِّجَ لَهُ» وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ يَوْمَ مَاتَ وهو يدفن: سبحان الله لهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>