للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وانك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وانه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها. قال: فبينا رسول الله يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يوسف في الحديد قد انفلت الى رسول الله ، وقد كان أصحاب رسول الله قد خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وقال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت فجعل ينتره بتلبيبه ويجرّه يعنى يردّه الى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أردّ الى المشركين يفتنوننى في ديني! فزاد ذلك الناس الى ما بهم. فقال رسول الله «يا أبا جندل اصبروا احتسب، فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. انّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وانّا لا نغدر بهم» قال: فوثب عمر ابن الخطاب مع أبى جندل يمشى الى جنبه ويقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدنى قائم السيف منه. قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه. قال: فضنّ الرجل بأبيه ونفذت القضية. فلما فرغ رسول الله من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن أبى وقاص ومحمود بن مسلمة ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك وعلى بن أبى طالب، وكتب وكان هو كاتب الصحيفة وكان رسول الله مضطربا في الحل (١) وكان يصلى في الحرم، فلما فرغ من الصلح قام الى هديه فنحره، ثم جلس فحلق رأسه، وكان الّذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فلما رأى الناس أن رسول الله قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون.

قال ابن إسحاق: وحدّثنى عبد الله بن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبيّة وقصّر آخرون، فقال رسول الله «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلّقين» قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: يرحم الله المحلقين» قالوا والمقصرين يا رسول الله! قال «والمقصرين» قالوا: يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال: لم يشكوا. وقال عبد الله بن أبى نحيح: حدّثنى مجاهد عن ابن عباس أن رسول


(١) اى ضاربا خيامه خارج منطقة الحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>