إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ بهم أسرا وقتلا، قال ودفع إلى كل رجل منا أسيرا حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، قال ابن عمر فقلت والله لا أقتل أسيرى ولا يقتل أحد من أصحابى أسيره، قال فقدموا على النبي ﷺ فذكروا صنيع خالد فقال النبي ﷺ ورفع يديه «اللهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين. ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه. قال ابن إسحاق: وقد قال لهم جحدم لما رأى ما يصنع خالد: يا بنى جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم مما وقعتم فيه.
قال ابن إسحاق: وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف - فيما بلغني - كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام؟ فقال إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن كذبت قد قتلت قاتل أبى، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال «مهلا يا خالد دع عنك أصحابى فو الله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابى ولا روحته» ثم ذكر ابن إسحاق قصة الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم عم خالد بن الوليد في خروجه هو وعوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة ومعه ابنه عبد الرحمن وعفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس ومعه ابنه عثمان في تجارة الى اليمن ورجوعهم ومعهم مال لرجل من بنى جذيمة كان هلك باليمن فحملوه الى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بأرض بنى جذيمة فطلبه منهم [قبل أن يصلوا الى أهل الميت] فأبوا عليه فقاتلهم فقاتلوه حتى قتل عوف والفاكه وأخذت أموالهما وقتل عبد الرحمن قاتل أبيه خالد بن هشام وفر منهم عفان ومعه ابنه عثمان إلى مكة، فهمت قريش بغزو بنى جذيمة فبعث بنو جذيمة يعتذرون اليهم بانه لم يكن عن ملأ منهم وودوا لهم القتيلين وأموالهما ووضعوا الحرب بينهم، يعنى فلهذا قال خالد لعبد الرحمن إنما ثأرت بأبيك يعنى حين قتلته بنو حذيمة، فأجابه بأنه قد أخذ ثأره وقتل قاتله ورد عليه بأنه إنما ثأر بعمه الفاكه بن المغيرة حين قتلوه وأخذوا أمواله، والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله وإن كان قد أخطأ في أمر واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم صبأنا صبأنا، ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا، ومع هذا لم يعزله رسول الله ﷺ بل استمر به أميرا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك وودى ما كان جناه خطأ في دم أو مال ففيه دليل لأحد القولين بين العلماء في أن خطأ الامام يكون في بيت المال لا في ماله والله اعلم. ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم فقال له عمر بن الخطاب: اعزله فان في سيفه رهقا فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين